
مع تحرير منطقته التي لم يستطع زيارتها منذ سنين بعد أن نزح عنها، قرر أبو محمد مع عائلته العودة إلى دياره التي طالما اشتاق إليها، وحنينه الكبير للأرض التي احتضنت ذكرياته. كانت بلدته التي عانت خلال تلك المدة من الدمار الذي لحق بها، حيث فقدت الكثير من معالمها على مدى سنين طويلة بسبب سنوات الحرب العجاف حتى يكاد بصعوبة كل شخص معرفة مكان بيته.
وبعد كل مناظر الدمار التي شهدها أبو محمد، عاد أدراجه حاملاً على كتفيه شقاء السنين الذي أصبح ركاماً مغلفاً بحلم عاشه في خيمته طوال سنين نزوحه فيها، بالعودة إلى منزله مرةً أخرى ليبدأ حياته من جديد.
عاد أبو محمد ليجلس أمام خيمته في مخيم المنصورة، ليرتب حلمه وكيف يعود ليبني منزله من جديد، تاركاً ورائه الخيمة المؤقتة بعد أن كانت عنوانًا دائمًا لمعاناته. إلا أن الأقدار كانت قاسية، فبالإضافة إلى النزوح، اجتاحت شمال سوريا في السنوات الأخيرة كوارث طبيعية زادت من معاناة السكان المنهكين أصلًا من آثار الحرب.
في تلك الليلة، عاش أبو محمد واحدة من أصعب اللحظات في حياته، حين اندلعت النيران في المخيم، تلتهم كل شيء في طريقها. ركض يائسًا وسط الفوضى يبحث عن أولاده وأسرته، محاولًا النجاة من حريق التهم ذكرياته وأحلامه وكل ما تبقى له. ولكن، رغم هذه الكارثة، استجابت وطن بشكل عاجل ضمن مشروعها بالشراكة مع المفوضية السامية لشؤوناللاجئين، وتقديم خيمة جديدة مجهزة بكل ما يلزم للعيش الكريم، من مستلزمات المأوى الى احتياجاتهم الأساسية التي توفربعض الدفء.
ومع ذلك كله لم يكن هذا الحل الذي يريده “أبو محمد” من استبدال لخيمة المحترقة بأخرى جديدة، بل في إعادة بناء منزله الذي فقده قبل سنوات.
في ظل هذه الأزمات، تتجلى الحاجة لحل جذري يضمن الكرامة والاستقرار للنازحين، ألا وهو إعادة الإعمار. فبدلًا من الاعتماد على حلول مؤقتة، لا بد من تكاتف الجهود الدولية والمحلية لإعادة بناء المنازل والبنية التحتية، لتمكين العائلات من العودة إلى ديارها بأمان واستقرار.
مخيم “المنصورة” ليس مجرد مأوى مؤقت، بل صورة مصغرة لمأساة مئات آلاف العائلات السورية التي وجدت نفسها عالقة بين التشرد واليأس. أبو محمد، كغيره من النازحين، لا يحلم بخيمة جديدة، بل يحلم بجدران منزله التي حُرم منها، بمكان يقي أطفاله برد الشتاء وحر الصيف، بوطن يستطيع العيش فيه بكرامة دون خوف من التهجير أو الكوارث التي لا تنتهي.
إن الحل الحقيقي لمعاناة سكان المخيمات لا يكمن في تقديم المزيد من الخيام، بل في إعادة إعمار المدن والقرى التي دمرتها الحرب. فبدون ذلك، ستبقى هذه العائلات في دوامة النزوح والمعاناة، عاجزة عن بناء مستقبل مستقر لأطفالها. آن الأوان لتحويل الجهود الإنسانية من الإغاثة المؤقتة إلى مبادرات مستدامة تضمن عودة كريمة وآمنة للنازحين إلى منازلهم.