
حين تلتقي رغبة تحقيق الحلم في العودة إلى الديار مع المصاعب والتحديات التي تواجه العائلات النازحة في مخيمات الشمال السوري، يصبح المشهد مؤلمًا جدًا، ولا يمكن للكلمات أن تعبر عن حجم المعاناة. آلاف العائلات تتطلع وتنتظر بفارغ الصبر اليوم الذي سيعودون فيه إلى منازلهم التي ما زالت تحمل ذكرياتهم وأرضهم التي كانت دائمًا مصدر عونٍ وسند لهم.
لكن تأتي التحديات لتقف حائلًا أمام هذه الرغبة. في مقدمة تلك التحديات، تأتي تقلبات الطقس القاسية في فصل الشتاء، حيث تعصف العواصف والأمطار والرياح الباردة بمخيماتهم. فبالإضافة إلى تلك الظروف الجوية القاسية، يعاني هؤلاء السكان من عدم قدرتهم على إيجاد مأوى مناسب يحميهم من هذه التقلبات، مما يؤدي إلى تدمير العديد من الخيام ودخول المياه إلى داخلها، وهو ما يزيد من معاناتهم بشكل كبير.
في هذا المشهد القاسي، يظهر دور المنظمات الإنسانية وفرق الاستجابة الطارئة التي تبذل جهدًا كبيرًا لتوفير المأوى المؤقت والمناسب لتلك العائلات. هذه الفرق تسعى جاهدة لضمان أن يجد النازحون مأوى يقيهم قسوة الشتاء ويمنحهم بعض الأمل في العودة إلى حياتهم الطبيعية. لكن هل كان لوطن نظرة أخرى تهدف إلى تحسين حياة هؤلاء السكان؟ هذا ما سنتعرف عليه في هذا المقال.
بشراكتها الوثيقة مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وبدراسة دقيقة للاحتياجات الأساسية للعائلات النازحة، قامت منظمة وطن بإنشاء مركز إيواء مؤقت في بلدة كللي بريف إدلب، حيث يُعد هذا المركز جزءًا من استجابة وطن الشاملة لتوفير الحماية والراحة للعائلات المتضررة خلال فصل الشتاء.
محمد صادق، منسق برنامج المأوى والمواد غير الغذائية، أوضح تفاصيل المشروع قائلاً: “تم إنشاء هذا المركز لحماية العائلات المقيمة في مخيمات الشمال السوري من المخاطر المتعلقة بتقلبات الطقس والكوارث الطبيعية، حيث تم تجهيزه بأربعة صيوانات بقدرة استيعابية تصل إلى 240 فرد، بالإضافة الى كتل للحمامات، منها مخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة.
وأضاف: “تأتي هذه الجهود ضمن خطة شاملة لبرنامج المأوى والمواد غير الغذائية، والتي تشمل إعادة تأهيل مواقع المخيمات، واستبدال الخيام التالفة، وتوفير مستلزمات المأوى الأساسية لضمان عودتهم سالمين إلى بلداتهم وقراهم عند تحسن الظروف.”
لم تكن هذه المرة الأولى التي تتدخل فيها وطن لتحسين أوضاع النازحين؛ ففي وقت سابق، قامت المنظمة بإعادة تأهيل مركز إيواء معرة مصرين، والذي استقبل أكثر من 400 عائلة هربت من القصف الذي استهدف مناطق ريف إدلب خلال الأشهر الماضية. وقد تم تجهيز المركز بكافة مستلزمات المأوى الضرورية، مما وفر الدفء والراحة للعائلات خلال فترة إقامتهم.
لا تقتصر جهود وطن على توفير المأوى المؤقت فحسب، بل تتجاوز ذلك إلى إعداد دراسات دقيقة ومفصلة بالشراكة مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين حول المنازل التي ستعود إليها هذه العائلات. وتهدف هذه الدراسات إلى توفير الدعم اللازم لضمان عودتهم إلى منازل آمنة وجاهزة للحياة في مدنهم وبلداتهم.
وبالتوازي مع ذلك، تعمل وطن من خلال شراكاتها المتنوعة على إعادة الحياة واستدامتها في مناطق عودة النازحين. ويشمل ذلك إعادة تأهيل البنية التحتية، وتأمين إمدادات المياه، وتوفير خدمات التعليم والرعاية الصحية، لضمان حياة كريمة ومستدامة للعائلات المتضررة.
إن تضافر الجهود بين المنظمات الإنسانية وشركائها، يعزز من تحسين واقع النازحين وتأمين عودتهم الآمنة والمستدامة إلى ديارهم. فمن خلال المشاريع الطموحة والدراسات الدقيقة، لن تكون العودة مجرد أمنية بعيدة المنال، بل واقعًا ملموسًا يتحقق خطوة بخطوة.
حينها، ستبدأ كل عائلة بإعادة بناء حياتها والاعتماد على نفسها، ليُطوى بذلك فصل طويل من المعاناة، وتُفتح صفحات جديدة مليئة بالأمل والاكتفاء الذاتي.