أصوات سيارات الإسعاف التي تصدح في شوارع المدينة، واندفاع المسعفين داخل أقسام الطوارئ في المستشفيات، لا تنتمي إلى مشهد سينمائي من أفلام هوليوود، بل هي جزء من الواقع اليومي لشمال غربي سوريا. هذه المشاهد المتكررة نتاج القصف على الأحياء السكنية، بالإضافة إلى الحوادث المرورية وغيرها من الحوادث الطارئة.
في خضم هذا الواقع الصعب، يواجه القطاع الصحي في شمال غربي سوريا تحديات جمة، أبرزها توقف الدعم عن العديد من المستشفيات والمراكز الصحية. وقد حذر فريق “منسقو استجابة سوريا” من كارثة وشيكة، مع قرب توقف الدعم عن تسع منشآت طبية بنهاية شهر حزيران، وعن 19 منشأة أخرى في تموز، مما سيرفع عدد المنشآت التي فقدت الدعم إلى 85 خلال النصف الأول من هذا العام.
وسط الأزمات المتتالية، تواصل بنوك الدم التابعة لمنظمة “وطن” تقديم استجابة سريعة وفعالة للمستشفيات والمرافق الصحية، من خلال تزويدها بوحدات الدم اللازمة بشكل فوري لحالات الطوارئ، مع ضمان إمداد المنشآت الصحية في الشمال السوري يومياً عبر فريق متخصص في هذا المجال، مما يسهم بشكل مباشر في إنقاذ حياة المرضى وتخفيف الضغط على النظام الصحي المتضرر.
في بنك دم “وطن 3” بمدينة إدلب، يتم توزيع حوالي 2000 وحدة دم شهرياً من مختلف الزمر. يعتبر هذا البنك مرفقاً حيوياً لا يمكن الاستغناء عنه لوجوده في مركز المدينة التي تضم عدداً كبيراً من المستشفيات والمراكز الصحية، مما يزيد من الطلب على وحدات الدم.
أما في بنك دم “وطن 4” بمدينة سلقين، فيوفر البنك نحو 1500 وحدة دم شهرياً، ويتم توجيه معظم هذه الوحدات للمستشفيات التي تعنى بحالات الولادة والعمليات الجراحية الطارئة بمختلف التخصصات.
وفي أريحا، المدينة التي عانت وما زالت تواجه العديد من التحديات، يقدم بنك دم “وطن 5” أكثر من 1400 وحدة دم بشكل شهري لدعم المدينة والبلدات المحيطة بها في الحالات الطارئة.
بالنسبة إلى ريف حلب الشمالي، تغطي بنوك دم “وطن 2″ و”وطن 6” في مدينتي الباب ومارع، حاجة المستشفيات والمراكز الصحية هناك بأكثر من 2500 وحدة دم شهرياً، مما يساعد في دعم الخدمات الصحية في تلك المناطق.
تعد هذه الجهود جزءاً من استراتيجية شاملة تهدف إلى تحسين الرعاية الصحية في المناطق الأكثر تضرراً، خاصة مع تزايد الحروب وتفاقم الوضع الإنساني. يتم العمل بشكل متكامل مع الطواقم الطبية في المستشفيات لضمان توفر الدم اللازم في الحالات الحرجة مثل العمليات الجراحية الكبرى، وحالات الولادة التي تتطلب التدخل الفوري.
وقد أطلقت منظمة “وطن” العديد من المبادرات التوعوية التي تستهدف رفع الوعي بأهمية التبرع بالدم، حيث تقوم بتنظيم حملات دورية في المناطق الآمنة نسبياً لحث المواطنين على المساهمة في إنقاذ الأرواح. وتعمل هذه المبادرات بالتوازي مع حملات التبرع التي تنظمها في المدارس والجامعات، بهدف بناء ثقافة مستدامة للتبرع بالدم.
ولم تقتصر جهود بنوك الدم على توفير الوحدات فحسب، بل قامت بتوفير التدريب اللازم للطواقم العاملة في هذا المجال، حيث تم تدريب الفرق على أحدث التقنيات والممارسات الآمنة في جمع وتخزين الدم، لضمان الحفاظ على جودته وتوفيره في أفضل حالة ممكنة للمرضى.
هذه الجهود لم تكن لتتحقق لولا حملات التبرع اليومية التي تنظمها بنوك دم “وطن”، كلٌ بحسب موقعه الجغرافي، وذلك باستخدام سيارات مجهزة بأحدث التقنيات لضمان عملية تبرع آمنة وسلسة للمتبرعين. كما يتم توفير آليات لنقل الدم بسرعة وأمان إلى المرافق الصحية التي تحتاجها في الوقت المناسب، مما يساهم في تجنب أي تأخير قد يهدد حياة المرضى.
لكن لضمان استمرارية هذه الجهود وتفادي أي انقطاع في خدماتها الأساسية، من الضروري أن نعمل على توفير الدعم المستمر والمستدام لهذه البنوك. إن تلبية احتياجاتها من الموارد المالية والتقنية والبشرية يساهم في تعزيز قدرتها على أداء مهمتها بفعالية وكفاءة، ويساعد في الحفاظ على استمرارية تقديم خدماتها الحيوية.
نحن بحاجة إلى تكاتف الجهود من قبل الجهات المانحة، والمجتمع المحلي، وجميع المعنيين لضمان استمرارية عمل هذه البنوك الحيوية. فالتزامنا الجماعي بدعم بنوك الدم يضمن بقاءها قادرة على مواجهة التحديات وتقديم المساعدة التي يحتاجها المرضى في أوقات الطوارئ.