مما تحبون… إحياء لمعاني التكافل في شهر الخير والبركة – WATAN

مما تحبون... إحياء لمعاني التكافل في شهر الخير والبركة

عندما نتحدث عن شهر رمضان المبارك، نستحضر طقوسه البهيجة والمليئة بالروحانية، فهو شهر العبادة والتقرب إلى الله سبحانه وتعالى. ولكن في رحاب هذا الشهر المبارك، يتكرَّر سيناريو المعاناة والتحديات لأولئك الذين واجهوا قسوة النزوح وفقدان مقومات حياتهم.

هنا، في أروقة المخيمات القماشية شمال سوريا، يبدأ الناس استعدادهم لاستقبال هذا الشهر الفضيل في ظروف لا يحسدون عليها. فبينما يقوم البعض بتزيين منازلهم وتحضير المائدة لاستقبال الضيوف، يجد آخرون أنفسهم وسط هذه الخيام، بعيدًا عن أحضان منازلهم وأحبائهم، محرومين من لحظات الانسجام والتجمع حول المائدة الرمضانية،

وسط هذا الجو الصعب، تتحد الجهود الإنسانية لتضفي قليلاً من الأمل والبهجة على قلوب تلك العائلات النازحة. ويتردد صدى نداء الكرم عبر هذه المخميات، ليحيي جوهر التعاضد الحقيقي في شهر رمضان. تنطلق المنظمات الإنسانية بحملات تبرعات مكثفة، تهدف إلى توفير الغذاء والماء وحتى المأوى الكريم لهؤلاء النازحين، ليختموا شهر الصوم وقد خففنا حمل هموهم التي أثقلتها الحرب والكوارث.

تبرز حملة “مما تحبون” التي أطلقتها منظومة وطن، حيث تسعى لخلق جو رمضاني مبهج ومميز في قلوب ومنازل النازحين. حيث تحمل معاني التراحم والتضامن، وتسعى لجعل هذا الشهر الكريم فرصة للتلاقي والترابط بين أبناء الوطن، بغض النظر عن ظروفهم القاسية.

بدأت الحملة أنشطتها بإقامة أكثر من ثمانية إفطارات جماعية، تمتد من أرجاء مخيمات إدلب وحلب إلى مدينة غازي عنتاب التركية، حيث كان للأيتام ومرضى التلاسيميا والعائلات النازحة نصيب من هذه التجمعات الروحانية المميزة، التي أعادت لهم بعض البهجة والأمل الذي فقدوه في ظل آفات الحرب السورية.

تأتي هذه التجمعات كنتيجة لتضافر الجهود المؤثرة في هذا الشهر المبارك، حيث ساهم المتبرعون والمانحون الكرام في جعل هذه الفعاليات ممكنة، وفي تقديم الدعم اللازم للفئات الأكثر احتياجًا.

ويتجلى الهدف من هذه التجمعات في تخفيف الأعباء النفسية وتعزيز الروح المعنوية للمحتاجين، إذ تساعد على استعادة بعض النشاطات والتقاليد الاجتماعية التي انقطعت جراء الظروف الصعبة، مثل التجمع مع الأقارب والأصدقاء للفطر بعد يوم طويل من الصيام. فهذه التجمعات لا تقدم الغذاء فحسب، بل تعيد الحياة لأرواح النازحين وتجدد الروح الجماعية في زمن الابتلاء.

من خلال توجيه الجهود الإنسانية المباركة نحو الذين يحتاجون، انتشرت أيدي الخير لتمتد إلى قلوب العائلات المحتاجة، حيث تم توزيع السلال الغذائية المحملة بجميع مستلزمات الغذاء الأساسية على مدار شهر رمضان الكريم، فوزعت الخيرات على مئات العوائل في مخيمات ريف حلب الشمالي، هذه الجهود الخيرية لم تكن مجرد توزيعًا لطرود الغذاء، بل كانت رسالة حية تفسر أن المستحيل لا يُعتبر إلا تحدّيًا يمكن تجاوزه، وأن تكاتف الجهود يمكن أن يحقق المعجزات.

وبينما يتجه الشهر الفضيل نحو ختامه، وتتجه الأنظار نحو العشر الأخيرة المليئة بتحقيق الدعوات والأماني، تتجه أيضًا الجهود نحو استقبال عيد الفطر بروح من الفرح والبهجة، تليق بأهلنا وأطفالهم، فلا نكتفي فقط باستعادة أجواء الرمضان الجميلة، بل نسعى أيضًا لاستعادة بهجة العيد بطقوسها الرائعة.

بدأت هذه الجهود بإطلاق حملة “كسوة العيد” للأطفال في مناطق ريف حلب الشمالي وإدلب، حيث لا يمكن وصف الفرحة التي انعكست على وجوه الأطفال وآبائهم إلا بمشاهدتها بأم العين، فقد شملت هذه الحملة توزيع الهدايا والملابس الجديدة، ما جعل الأجواء تتغير تمامًا في تلك المناطق، وانبعثت روح الفرح والتفاؤل في كل مكان.

ولم تقتصر الجهود عند هذا الحد، بل امتدت أيضًا إلى توزيع زكاة الفطر والمال إضافة الى حلويات العيد المميزة،التي كانت نساء المنطقة يتحدن في تحضيرها قبيل حلول العيد، فكانت هذه اللحظات تمثل تجسيدًا للتلاحم والتضامن، حيث يجتمع الجميع للاحتفال بأجمل اللحظات وأعياد العيد.

ومن هنا نرى أن تبرعاتكم هي أكثر من تبرع بالمال بل هي بذرة للعطاء والتكاتف، تنمو في تربة القلوب الرحيمة لأهلنا في مناطق ومخيمات الشمال السوري. فمن يستطيع أن يفعل، ومن يرغب في إحداث التغيير، يجدهم بين صفوف أولئك الذين يعيشون تحت أظلال الخيام.

ومن بين أبرز المانحين الذين تركو أثرا في شهر رمضان ٢٠٢٤، تتألق جمعية التميز الإنساني الكويتية ومنظمة Humanity العالمية ومنظمتا أمتي ورابطة الغوث الإنساني التايلندية، فـكلما تحدثنا عن جهودكم وتأثيرها في حياة تلك العائلات، يفتقد الكلام لوصف الصور الحية والمؤثرة التي تتجسد في حياتهم بفضل تبرعاتكم. فحملة “مماتحبون” أصبحت نافذة وجسرًا يربطهم بالأمل.

فالدعم المستمر لا يقتصر على شهر الخير وحده، بل هو نور يتوهج في سماء الأمل، وتأثير لا يمكن وصفه بالكلمات. فما لم تعرفوا قيمة هذا الدعم، لن تدركوا معنى تلك الكلمات التي تنطلق من أعماق الشكر والامتنان.

شكرًا على ما قدمتم وتقدمون في تحقيق الخير والإنسانية.

DECLINE