يظل القول المأثور “لا تهدر شيئا، فلا تحتاج إلى شيء” قائماً حتى اليوم، حيث ينادي القادة على مستوى العالم والمجتمعات المحلية على حد سواء على نحو متزايد بإصلاح ما يسمى بـ “ثقافة الإلقاء”. ولكن إلى جانب الأفراد والأسر، تمثل النفايات أيضاً تحديًا أوسع نطاقاً يؤثر على صحة الإنسان وسبل العيش والبيئة والرخاء.
إن إدارة النفايات الصلبة هي قضية عالمية مهمة لكل شخص في العالم. ومع إلقاء أو حرق أكثر من 90% من النفايات في الخلاء بالبلدان المنخفضة الدخل، فإن الفقراء والأكثر ضعفاً هم المتضررون بشكل غير متناسب.
وبحسب التقرير الصادر عن منظمة الصحة العالمية تحت عنوان “الوقاية من الأمراض من خلال البيئات الصحية: تقييم عالمي لعبء الأمراض الناجمة عن المخاطر البيئية”، حيث أفاد التقرير بأن الوفيات الناجمة عن الأمراض غير المعدية بلغ 8,2 مليون حالة وفاة.
وفي شمال غربي سوريا، وبالتحديد في مخيمات الشمال السوري، لم تكن العوائل النازحة على دراية بان التلوث الذي يسببه تراكم القمامة العشوائي قد يصل الى مياه الشرب الذي يستخدمونها يومياً، نعم .. هذا بالضبط ما حدث فالتلوث الناجم عن تراكم القمامة العشوائية في أحد المكبات المجاورة للمخيمات تسبب في تلوث المياه وبالتالي العديد من الامراض والاوبئة التي تحتاج الى رعاية طبية طويلة الأمد.
لم يكن أبو احمد، الاب لخمسة أطفال على علم بان النفايات قد تسبب في هذه الكوارث الصحية، والتي تسببت في إصابة أطفاله بالتسمم حيث افاد بالقول: “في لحظة، لم اكن أتوقع ان الامراض التي نقي انفسنا منها قد تصلنا عن طريق المياه التي نستخدمها يومياً، تسبب ذلك في تسمم اطفالي والذهاب بسرعة الى اقرب مركز صحي للعلاج”.
تجاوباً مع هذا التحدي، لم تكن وطن مكتوفة الايدي، بل ساهمت عبر برنامج المياه والاصحاح في شمال غربي سوريا على إقامة مركز لفرز ومعالجة النفايات الصلبة (العضوية وغير العضوية) في معرة مصرين/ كللي، حيث تشمل اعمال فرز للنفايات و تقطيع وتصغير احجامها واقطارها.
بالشراكة مع منظمة الهجرة الدولية وبدعم من الوكالة الامريكية للتنمية الدولية، تم انشاء هذا المركز خصيصاً ليس لاستخدامه لفرز النفايات فحسب، بل لمعالجتها واستخراج السماد العضوي لاستخدامه للزراعة وتحسين الانتاجات الزراعية للمزراعين.
يحدثنا المهندس خالد المحمد، أحد المشرفين على مركز فرز النفايات قائلا: تتم عملية الفرز بداية من جمع النفايات بكافة اشكالها من المكابات المحيطة بمواقع المخيمات وتأتي بعدها عملية الفرز فرز للنفايات و تقطيع وتصغير احجامها واقطارها و معالجتها مما يسهم في تقليل المخاطر الناجمة عن الاكوام العشوائية ضمن المكبات.
ويشير إلى أن هذا المركز لم يقتصر دوره على التخفيف من الأمراض الصحية الناتجة عن تكدس القمامة العشوائية فحسب، بل أسهم أيضًا في توفير فرص عمل للشباب من خلال عمليات الفرز. كما لعب دورًا مهمًا في تقليص حجم القمامة الكبيرة في المكبات الرئيسية بالمنطقة.
تُعَدُّ الجهود المبذولة للتصدي لمشكلة النفايات في شمال غرب سوريا خطوة مهمة نحو تحسين الظروف البيئية والصحية في المخيمات. ومع ذلك، تبقى التحديات قائمة، ويظل من الضروري تعزيز إدارة النفايات والتقليل من تأثيراتها السلبية.
أبو أحمد، الذي عانى من التسمم بسبب تلوث المياه، يعبر عن أهمية هذه المبادرات قائلاً: “على الرغم من الجهود الكبيرة التي تبذلها المنظمات لمساعدتنا، فإن الواقع لا يزال صعباً. التلوث والقمامة يشكلان خطراً على صحتنا وحياة أطفالنا. نحن بحاجة إلى المزيد من الدعم والإجراءات السريعة للتصدي لهذه المشكلات وضمان بيئة صحية لنا ولأطفالنا.”
يسلط الوضع الحالي الضوء على أن التحديات لم تنتهِ بعد، وأن العمل لا يزال مستمراً. لا يمكننا إغفال أهمية استمرار دعم المشاريع التي تسعى لتحسين إدارة النفايات والتخلص منها بشكل آمن، حيث أن كل خطوة نحو تحسين البيئة تؤثر بشكل مباشر على صحة وسلامة المجتمعات.
النجاحات التي تحققت حتى الآن تُبرز قوة التعاون بين المنظمات الإنسانية والمجتمعات المحلية، لكنها تذكّرنا بأن الطريق لا يزال طويلاً. مع استمرار دعم وطن، سنبقى ملتزمين بتطوير حلول مستدامة ومبتكرة لمعالجة المشكلات الصحية والبيئية.