في شمال سوريا، التحديات التي يواجهها السكان كبيرة ومعقدة، ولكن إذا خصصنا الحديث، فإن التحديات التي يواجهها الأشخاص ذوو الإعاقة تتصدر المشهد. هؤلاء الأفراد تعرضوا لحوادث، سواء جراء الحرب أو غيرها، والتي تسببت في فقدانهم لأشياء ثمينة كالأطراف، البصر، أو حتى القدرة على الكلام.
القصف العشوائي في سوريا كان له آثار مدمرة؛ فقد انهارت المنازل فوق رؤوس ساكنيها، ومع غياب الملاجئ المناسبة، فقد الكثيرون من الناس أغلى ما يملكون واضطروا للتأقلم مع حياة جديدة… بدون أطراف.
لكن التحدي الأكبر الذي واجههم لم يكن فقط التأقلم مع إعاقاتهم، بل الخوف من النبذ الاجتماعي وعدم تقبل المجتمع لهم وإفساح المجال لمواهبهم وإبداعاتهم التي تظل بارزة رغم كل الصعاب.
في هذا السياق، وكمحاولة لتعزيز دمج ذوي الإعاقة في المجتمع، قامت عدة منظمات إنسانية مثل وطن، SARD،الإغاثة الإسلامية، غراس النهضة، والإنسانية والإدماج بإطلاق مبادرة مجتمعية تحت عنوان “نبض التمكين”. تهدف هذه المبادرة إلى تمكين قدرات ذوي الاحتياجات الخاصة وإظهار مواهبهم وإبداعاتهم للمجتمع، ليس فقطفي شمال سوريا، بل على مستوى العالم.
بدأت المبادرة بإطلاق حملات توعوية في ريف إدلب لتسليط الضوء على أهمية التفاعل الإيجابي مع هذه الفئة وتعزيز الدعم المقدم لهم. كما تضمنت المبادرة مشاركة إبداعاتهم مع أكبر عدد ممكن من الناس.
وتحت شعار “نحن نستطيع”، تم تنظيم المعرض الفني الأول للأفراد ذوي الإعاقة ضمن مبادرة “نبض التمكين”،حيث عرضوا رسوماتهم وأعمالهم اليدوية، وكان الهدف من هذا الحدث هو إبراز قدرات هؤلاء الأشخاص وتعزيز النظرة الإيجابية تجاههم من قبل المجتمع ومنظمات العمل الإنساني.
واختتمت المبادرة بحفل ختامي للأشخاص ذوي الإعاقة، تضمن استعراضًا لقدرات الأطفال من خلال عروض فنية،إلى جانب تسليط الضوء على الصعوبات والتحديات التي واجهوها، وقصص النجاح التي حققوها بفضل إصرارهم.
من بين هؤلاء أحمد، الذي فقد ساقه نتيجة القصف على مدينته أريحا، ورغم ذلك، حقق المرتبة الأولى في الحساب الذهني على مستوى شمال سوريا، مؤكدًا أن التمسك بالحلم ضروري لتحقيق ما نصبو إليه. وهناك أيضًا محمد،الذي فقد بصره في سن الثامنة، لكنه أبدع في الحصول على ماجستير في اللغة العربية وتدريب النساء على صنع الأدوات المنزلية من القش، مما يظهر أن فقدان بصره لم يكن إلا محطة في حياته تمكن من تجاوزها.
هذه الأمثلة ليست سوى جزء من آلاف الأشخاص الذين أبدعوا وساهموا في بناء مجتمعاتهم، مؤكدين أن الإعاقة ليست سوى عقبة تجاوزوها ليحققوا ما لم يستطع الكثيرون تحقيقه.
تثبت قصص هؤلاء الأبطال من ذوي الإعاقة أن الإرادة القوية والشغف بالحياة يمكن أن يتغلبا على أصعب التحديات. فالإعاقة ليست عائقًا أمام الإبداع والإنجاز، بل هي تحدٍ آخر يتمكن الأبطال من تجاوزه بإصراره موإرادتهم الصلبة. وكما قال نيلسون مانديلا: “يبدو الأمر مستحيلًا حتى يتم تحقيقه.” لقد أثبت هؤلاء الأشخاص أن لا شيء مستحيل عندما تتحد العزيمة مع الحلم، فكانت نجاحاتهم مصدر إلهام لنا جميعًا ومثالًا حيًا على أن الأمل والعمل يحققان المستحيل.
تذكرنا هذه القصص بأن مسؤوليتنا تجاه هؤلاء الأبطال لا تنتهي هنا. إن دعم الأشخاص ذوي الإعاقة وتمكينه ممن تحقيق أحلامهم يتطلب منا جميعًا—مجتمعات محلية ودولية—الاستمرار في تقديم الدعم والخدمات التي يحتاجونها. من خلال الوقوف إلى جانبهم، نساعد في بناء عالم أكثر شمولًا وعدالة، حيث يتمكن كل فرد من تحقيق إمكاناته الكاملة.