“كنا نعتقد أننا سنعود” – عبارة يرددها الأهالي الذين أُجبروا على النزوح من مدنهم وقراهم، لتظل صداها في أذهانهم بعد مرور أكثر من ست سنوات في مخيمات الشمال السوري. لقد تركوا كل شيء خلفهم، هاربين من القصف الذي لم يترك لهم خياراً سوى اللجوء إلى المجهول.
في أحد هذه المخيمات، يعيش أبو رائد مع أسرته في خيمة بالكاد تحميهم من برد الشتاء وحر الصيف. يسترجع أبو رائد ذكريات حياته في بلدة زرزور التي اضطر لمغادرتها في عام 2017 هرباً من القصف، ولم يكن يتوقع أنت طول فترة إقامته في هذا المخيم.
يقول أبو رائد: “كان ترك منزلنا بمثابة نزع الروح من الجسد. لم أشعر بمرارة مثلها قط. اضطررت لبيع أغنامي لتأمين احتياجات أسرتي، ولم أتخيل أن يكون مصيرنا العيش في خيمة قماشية.”
لم يكن أبو رائد يواجه فقط صعوبة الإقامة في الخيمة القماشية التي لا تقي من تقلبات الطقس، بل كان عليه أيضًا التعامل مع تحديات توفير الاحتياجات الأساسية مثل الماء والغذاء والمأوى، في ظل غياب أي مصدر دخل لتلبية احتياجات عائلته.
لكن هذه المعاناة لم تكن خاصة بأبي رائد وحده؛ فالمشكلة تنتشر في مئات المخيمات في الشمال السوري، حيث تكافح العديد من العائلات للحصول على أبسط حقوقها. ووفقًا لدراسة أجرتها منظمة الصحة العالمية، فإن 32.4% من المخيمات و51.6% من المجتمعات لديها حالياً خدمات استجابة للجرب، مما يعني أن الكثير من المناطق التي تحتاج إلى الدعم العاجل لا تتلقى المساعدة المطلوبة.
ورغم هذه التحديات، تواصل المنظمات الإنسانية في شمال سوريا إعطاء الأولوية لتلبية الاحتياجات الطارئة للعائلات النازحة في المخيمات، من خلال توفير الماء، والغذاء، والمأوى اللائق.
تُعد وطن من بين المنظمات الرائدة التي قامت بدور بارز في تحسين جودة الحياة في شمال سوريا، من خلالشراكتها مع المنظمة الدولية للهجرة (IOM) ودعم الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية. فقد أطلقت المنظمة مشروعاً مهماً لتوفير المياه النظيفة في 40 مخيماً، مما ساهم في تلبية احتياجات السكان المستمرة من الماء النظيف. وقد تم تحسين نوعية المياه بفضل إضافة الكلور بشكل مناسب، مما يعزز سلامة المياه الموردة.
علاوة على توفير المياه النظيفة، تقوم فرق وطن أيضاً بتقديم خدمات إضافية مثل جمع النفايات الصلبة وتنظيف الحفر الفنية، مما يساهم في الحد من انتشار الأمراض المعدية والتخفيف من الروائح غير المرغوب فيها التي تزداد مع ارتفاع درجات الحرارة.
وفي إطار المشروع نفسه، تعمل فرق وطن على إعادة تأهيل البنية التحتية في المخيمات والمجتمعات بشمال سوريا، من خلال تمديد خطوط المياه والصرف الصحي. يهدف هذا الجهد إلى تحسين البنية التحتية والقضاء على الصرف الصحي العشوائي، الذي كان سبباً في تفشي العديد من الأمراض والأوبئة.
كما تواصل وطن جهودها نحو المشاريع المستدامة التي تخفف معاناة آلاف العائلات. في هذا السياق، يتم تنفيذ مشروع لإنشاء أنظمة طاقة شمسية في مخيمين بشمال سوريا، لتشغيل محطات المياه باستخدام الطاقة النظيفة، مما يوفر المياه بشكل مستدام ويقلل من الاعتماد على المصادر التقليدية.
وفي ختام حديثه، عبر أبو رائد عن امتنانه قائلاً: “أشكر الله على هذه الخدمات، فقد كنا نضطر لشراء برميل المياه الواحد بـ 10 ليرات تركية، ونحتاج إلى 10 براميل أسبوعياً، مما كان عبئاً كبيراً علينا في ظل نقص فرص العمل. الآن، أصبحت المياه تصلنا يومياً بشكل معقم وآمن، كما أننا تخلصنا من أكوام القمامة والروائح الكريهة الناتجة عن الحفر الفنية المكشوفة.”
إن الاستجابة لاحتياجات هؤلاء الأهالي، التي تعد من أبسط حقوقهم، ليست مجرد واجب إنساني بل ضرورة ملحة. فالأوضاع في الشمال السوري، سواء في المجتمعات أو المخيمات، تستدعي دعماً مستمراً وفعّالاً لمواجهة التحديات اليومية التي يواجهها النازحون. ورغم الجهود الكبيرة التي تبذلها المنظمات الإنسانية، تبقى الحاجة إلى دعم مستدام وموارد إضافية حيوية لتخفيف معاناة هؤلاء الأفراد.